سلسلة فراغ بنكهة بشرية

لا شيء يُربك الإنسان مثل السؤال: من أنا؟

وفي رحلة الهروب من الإجابة، نترك خلفنا قشوراً تشبهنا،

لكن الداخل يظل يصرخ.. ولو في صمت.


مَن قال إنّنا نَعيشُ؟

نَحنُ نُمَثِّلُ النَّفَسْ،

وَنَنسى أَنَّ الرِّئَةَ.. سِجنٌ داخِلِيٌّ مِن أَضلاعْ.

نَضحَكُ.. 

لِأَنَّ الوَجعَ مُهَذَّبٌ في المَجالِ العَام،

وَنَبكي.. 

لِأَنَّ العَينَ لَم تَجِدْ شَيئًا تُخيفُ بِهِ الماء.

تَمشِي أَقدامُنا عَلى شَفَتَي شَكٍّ،

وَكُلُّ يَقينٍ في جَيبِنا..

بِطاقَةُ تَموينٍ مُنتَهِيَة!

أَنا لا أَعرِفُني،

لَكِنِّي أُوقِّعُ عَلى قَراراتي

بِاسمِ الغَرِيبِ الَّذي بِداخِلِي،

ثُمَّ أُقَدِّمُ لَهُ اعتِذاراً مُهَذَّباً في اللَّيل.

كَيفَ أَقنَعتُ المَرايا أَن تَنسى وَجهِي؟

وَكَيفَ لَم أَنتَبِهْ أَنَّنِي أَمشِي

وَالمَسِيرُ يُفَرِّغُنِي لا يَملؤُنِي؟

في الصَّباحِ، أُصبِحُ “فُلان”

وَفي المَساءِ، أَعودُ غُباراً مُتَأنِّقاً

يَنتَظِرُ مَن يَنفُضُهُ عَن ذاكِرَتِهِ.

يا أَيُّهَا الغارِقُ في لُغَةٍ مُؤَجَّلَة،

كُن حَقِيقِيًّا لِمَرَّة،

وَاسأَل قَلبَكَ:

هَل تَشعُر؟

أَم أَنَّكَ تُقَلِّدُ الشُّعور؟

الأَلَمُ لَيسَ سُؤالًا عَن مَصدَرِهِ،

بَل تَسَاؤُلٌ وَقِح:

“لِمَ لَم تَمُتْ بَعد؟”

وَالفَرَح؟

آهِ.. مِنهُ الفَرَح.. شَائِعَةٌ اختَرَعَهَا، 

أَوَّلُ عاشِقٍ كَذَبَ عَلى قَلبِهِ،

ثُمَّ آمَنَ بِهَا الجَمِيعُ 

كَي لا يُتَّهَمُوا بِالانقِراض.

أَنا..

كَائِنٌ أَلِيفٌ عَلى وَجهِ الحَقِيقَة،

وَوَحشٌ مَقطُوعُ الشَّهْوَةِ في أَروِقَةِ ذاتِهِ.

إِذا صَحَوتُ.. تَفَكَّكتُ،

وَإِذا نِمتُ.. تَجَمَّعتُ في شَكلِ كَذبَةٍ لَطِيفَةٍ

لِأُطَمئِنَّ بِهَا الخَائِفِينَ مِنِّي.

قُل لِليلِ:

نَحنُ لا نَحتاجُ ضَوءاً،

نَحتاجُ عُذراً مَقبُولاً لِلبَقاء.

وَقُل لِلنُّورِ:

لَستَ مُقَدَّساً

فَفي أَحيانٍ كَثِيرَةٍ، 

يُفَضِّلُ الإِنسانُ أَن يَتَعَثَّر

عَلى أَن يَرَى الحَقِيقَة.

وإن سألتَني مَن أكون..

سأبتسم ابتسامةً غير صالحة للتفسير،

وأترككَ تمشي في المرآة

دون أن تلاحظ أن انعكاسي.. ليس هناك.

 نحن لا نبحث عن النور لنُبصر.. بل لنخدع الظلمة التي تعيش فينا.


وسام طيارة السوري

كاتب وشاعر سوري نشر مئات المقاالت الثقافية واالجتماعية والفكرية، فيصحف ومجالت ومواقع عربية متعددة. إضافة الى العديد من القصائد الشعرية، والقصص القصيرة، والومضات األدبية كتبت للمسرح والسينما،