القصيدةُ التي لم تُكتبْ بعد

I

أريدُ أنْ أنحت قصيدةً من حجارة،

مصقولةً كمرآة،

يرى كلّ عابرٍ فيها وَجهَه.

قصيدةً ثقيلةً، لا تحملُها رياحٌ.

كبيرة وعالية مثل هضبة.

سأجلبُ حجارتَها من كافّة المدنِ،

حجر من كلّ مدينةٍ.

وسأنصبُها على مفترقِ طرقٍ؛

ليقرأها العابرون في قابلِ السنينِ.

فالشعرُ لا يُكتب للآن،

الشعرُ نبوءة الشاعرِ عن غَدِه.

الشعرُ مرآة لما هو آتٍ.

II

أُحِبُّ القصائدَ التي لها إيقاع حوافر حصانٍ على الأسفلتِ،

أو خَبَبُ أفراس صاعدة في منحدر.

أحبُّ القصائدَ الثقيلةَ،

لها جلبة حجارة متحدّرة في وادٍ سحيق،

أو خبط أقدامِ جنودٍ عائدين من الحرب.

لا شعرَ من غيرِ لهاثٍ.

القصيدةُ فرسٌ حرون،

حراثةٌ في أرضٍ بور،

نقرٌ في الصخور،

فاشحذوا محاريثكم واحشدوا أفراسكم؛

كي نكتبَ الحياةَ شعرًا.

III

طويلًا حَشَدْتُ لهذه اللحظة،

تنبّأتُ بقدومها،

ادخّرتُ كلّ فؤوس العائلة.

شَحَذتُ القطاعات وبَرَدتُ الأزاميل.

تدرّبتُ على صَقْلِ الصخورِ.

صادقتُ الأنهار وجلبتُ من طميها أندر الحجارة؛

لأُشيِّدَ قصيدتي التي لم أكتبها.

لكنّي سأكتبها ذات يوم،

 سأكتبها،

وسيقرؤها الناسُ،

حتّى الطفل الذي تقوده أمّه في زحام المدينة،

سيتوقّفُ وينفضُ معصمَه: أمّي، انظري إنّها قصيدة.

والبنتُ التي خبّأتْ نهديها بكنزة صوف فضفاضة،

ستقفُ على باب المدينة،

وتقولُ باسمةً في سرّها: هذه القصيدة لي.

وسيقرؤها العاملُ وهو يمسحُ غبارَ المقالعِ عن وجهِهِ،

ويقولُ بصوتٍ بلَّله العرقُ: مدينتنا صارت أبهى يا رفاقي.

وستقرؤها نساء مخيّمات جنين والدهيشة والعرُّوب،

 العائدات من سجن (مجدو[1])، وَسَيَفْرَحْنَ،

ستنادي إحداهنّ غائبها البعيد: لا تحزن يا ولدي، على باب مدينتنا قصيدة.

سيقرؤها طلبةُ جامعة القدس،

 وهم يعبرون حاجز (الكونتينر[2]) هازئين من جنودٍ يغالبون سأم السبتِ.

سنوات طويلة وأنا أدرّبُ حواسّي لسماع هسيس الرياح، 

وأصابعي على تحسّس نتوءات الصخور الراسية في الوديان.

 سأكتبها، أعدكم أنْ أكتبها.

لقد آنَ الأون كي أكتبها.


[1] سجن مجدوMegiddo سجن إسرائيلي يقع إلى الشمال من مدينة جنين، وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48. ويضم مئات من السجناء الفلسطينيين

[2] – حاجز الكونتينر (Container) حاجز عسكريّ إسرائيليّ على مدخل بلدة السواحرة الشرقيّة، يفصل شمال الضفّة الغربيّة عن جنوبها.


مشهور البطران

اتب وباحث واكاديمي فلسطيني يدرس في كلية التربية في جامعة بيت لحم، نشر العديد من الكتب في حقل سوسيولوجيا التربية، سوسيولوجيا مدرسة مقهورة، وسوسيولوجيا الدرس العلمي. وفي حقل الادب نشر اربع روايات وثلاث مجموعات قصصية