يَوْمُك الرّاقِصُ قِرَأتَان؛ جَسَارَةٌ تُؤَنِّثُ أَفْكَارًا مُحَنّطة أوْ هَرْوَلَةٌ نَادِرَةٌ تُرَفْرِفُ مِثْل فَرَاشَة مُسْتَعْجِلة صَوْب ضَوْءٍ حَارِق. تَقِفينَ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْكِ، أرَاجِعُكِ فِي شَأْنِ الْمَقْطُوعَة المُوسِيقية، تَخْتَارِينَ عَازِفا مَجْهُولا يُشْبِهُ رغْبَتكِ الّتِي تَنْشُبُ مِخْلَبَها فِي وقْتِكِ الْمُقَاوِمِ لِأحْكَامَ مُسْبَقة، تُطْلِقِينَ ضِحْكَةً كَقُنْبُلَة مَوْقُوتَة، نُمَارِسُ لُعْبتنا الْجَادّة.
هَاذِي الخُطُوات تَكْشِفُ عَنْ خَارِطَةِ شَهْوَتِنا، نلَامِسُ غِلَالَةَ الْمُنْتَهَى. نَقُولُ بِلا كَلَام:
كيْف نَفْعَل رَقْصَنا بِلا تَوَقّع؟
مِثْل صَلَاة..
تَقْطِفِين السّمَاء، وأُمْسِكُ بِالْبَحْرِ مِنْ هَدْأتِه الخَادِعة، نَخْلُقُ ضَجِيجَنا، هَكَذَا كَما يَعْجِنُ الصّوفِي خُبْز الحَقِيقَة. نَصْمُتُ، نَصْمُت.. تَتَناسَلُ الأرْوَاحُ مِنْ ثوْرَتِنا، تَرْقُصُ، تَرْقُص هَكَذَا كَما تُغْمِضِينَ عَيْنَيْك، يَزْدَادُ الْهَذيَانُ مَنْطِقِيّةً.
هَاتي يَدَكِ الأُخْرَى الّتِي تَشْرَخُ صَدْرَ اللّامُمْكِن عِشْقا، ذَرِينَا نَقْطِفُ مَوْتَنَا الْخَائِف، نَجْتَثّه مِن دَمِنا الْقَدِيم. نَغْرِسُهُ فِي الْجُنُون، نَتَعَلّمُ كَيْفَ نَكُونْ، وَمَاذَا لَدَيْك أَيْضا؟ مِنْ تَفَاصِيلِ يَوْمِكِ الْهَارِب مِنْ حَتْفِه، مِنْ تَفَاصِيل رَقْصَتِك الطّارِئَة؛ قُبْلَةٌ جَاهِزَة لِقَتْلِ المُتَرصِّدِين هُنَاك خَلْفَ بَابِ الأفْكَار الأرْضِية. شِفَاهٌ مُتَوَثِّبَة لِرَشْقِ الْعُيون المُثَبّتة فِي الجُثث كَامِيرَاتِ مُرَاقَبَةٍ بِأنْوَارِ الْعَمَى، وَنَهْدَاكِ رَائِحَتَا شَكٍّ لِفَكّ عُقْدَةِ شَيَاطِين التّقْوَى..
هَلْ يَكْفِي كُلّ هَذَا؟
وَمَنْ يَأْبَهُ إذا يَوْمُكِ الرّاقِصُ يُعْلِنُ كُلّ مَرّة عَدَم مَسْؤُولِيته عَنْ إِخْمَادِ الْحَيَاة، بِفِعْلِ جَاهِلٍ عَنْ تَوْبَتِه مِنَ الْمُوسِيقَى الْجَاحِدَة الَتِي لَا تُزْهِرُ أبَدًا.. كُلّمَا اسْتَهَانتْ بالْوَعْي بِاسْمِ الثّرْثَرَاتِ الْمُضْحِكَة..
هَلْ تُبْصِرِين؟ وَسَطَ كُلّ هَذِه الفَوْضى الْمُسَمّاة نِظَاما، كَيْفَ تَكُونُ لَحْظَتُنَا الرَّاقِصَةُ؟ وَأَنْتِ تُجَازِفِين ارْتِمَاءَةً انْتِحَارِية لِوَأدِ الْحُبّ كُلّمَا انْحَاز لِوَرْدة اصْطِنَاعية، كَيْمَا يُولَد، يَنْتَفِضَ حُرّيَةً.. بِلَا أجْوِبَة مَقِيتَة يُسْرِجُ بَهْلَوَانِيته؛ يَنْطَلِق عَلَى غَيْرِ لِجَامٍ إلَى اسْتِفْزَازِ الْأسْئِلَة.. يَرْقُصُ، يَرْقُص بِرَهْبَةٍ لَهَا جَنَاحَانِ مِنْ رَمَادٍ وَنَارْ. هَاذِي رَقْصَتُنَا لِيَوْمِنَا الرّاقِص، هُرُوبًا لَا يَنْتَهِي..
توفيق بوشري
توفيق بوشري هو كاتب مغربي. حاصل على عدة جوائز أدبية عربية ووطنية من بينها جائزة القصة القصيرة جدا سنة ٢٠١٣ عن مجموعة: “صفر درهم TTC”. جائزة ناجي نعمان عن كتيب ساخر: “صحوة الحمار” (٢٠١١) . لديه العديد من الأعمال على الشبكة العنكبوتية. من أعماله الورقية: “دينوغرافيا”، قصص قصيرة جدا (٢٠١٩) ، رواية “نتألم أفضل بالحب” (٢٠٢٠) و “كأن ابتسامتك شيء خارق” قصائد نثرية (٢٠٢١) .